:e100: (( الفروق الفردية في رسوم الأطفال))
على الرغم من التشابه الذي قد يكون ظاهراً بين مجموعة ما من الأطفال أو البالغين أو الكبار ، إلا أنهم في واقع الأمر ليسوا متساوين ، أو متطابقين تمام التطابق في مختلف جوانب شخصياتهم . وإنما يختلفون من حيث خصائصهم الجسمية كالطول والوزن ، والعقلية المعرفية كالذكاء والتخيل والإبداع ، واستعداداتهم ومقدراتهم الفنية والغوية والرياضية . كما يتفاوتون من حيث سماتهم الشخصية والانفعالية ، كاالإنبساط والحرص والمثابرة ، والاتزان الإنفعالى ومستوي الطموح ، وكذلك من حيث اتجاهاتهم وقيمهم وخبراتهم ، وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، حتى ولو كانوا يعيشون في نطاق جماعة بشرية واحدة .
بل أن الطفل الواحد ذاته يتفاوت قوة وضعفاً من حيث مقدار مايمتلكه من استعدادات ، ومستوى مايتمتع به من صفات وخصائص . فالطفل ذو الذكاء العالي أو المتفوق تحصيلياً لايحتل بالضرورة المرتبة نفسها في خصائصه الجسمية أو استعداداته الإبداعية أو علاقاته الاجتماعية . كما أن الطفل الموهوب فنياً قد يكون محدوداً في علاقاته الاجتماعية . وميالاً إلى العزلة والانطواء ، حاد الملاحظة البصرية ، ودون المتوسط في مقدرته اللغوية .... مثلاً .
ويطلق العلماء على هذه الاختلافات الفروق الفردية ، ويعنى بدراستها احد فروع علم النفس ، وهو علم النفس الفارق . وقد استرعت هذه الظاهرة اهتمامات الفلاسفة والمفكرين والعلماء من زمن بعيد ، حيث قسم أفلاطون الناس في جمهوريته المثالية إلى فئات وطبقات – مفكرين ، وعمال ، وجند – تبعاً لماتتميز به كل فئة من خصائص جسمية وعقلية . وما يمكن أن تؤديه من مهام . كما عنى علماء الأنثربولوجيا بدراسة الفروق بين الأجناس والجماعات ، وبالكشف عن علاقتها بالأصول السلالية والعرقية والثقافات . وأهتم بها –أيضاً –علماء الاجتماع من زاوية تأثير البيئات والعوامل الاجتماعية في الأفراد والجماعات ن وما يترتب على ذلك من نمو في هذه الفروق .
ويمكن تلخيص الفروق الرئيسة بين الأفراد فيما يلي :
1- الفروق بين الأفراد : وتتناول دراسة هذا النوع من الفروق مقارنة الفرد بغيرة من الأفراد ممن هم في مثل عمرة ، ومستوي تعليمة وبيئتة ، في جانب ما من جوانب شخصيته ، أو في إحدى خصائصه –كاستعداداته الإبداعية –لتحديد مركزة النسبي في هذا الجانب –أو تلك الخاصية –بالنسبة للمجموعة التي ينتمي إليها .
2- الفروق داخل الفرد ذاته : وتعيننا دراسة هذا النوع من الفروق على تشخيص نواحي القوة والضعف داخل الفرد نفسه ، ومن ثم العمل على تنمية مالديه من استعدادات وإمكانات إلى أبعد مدى يمكنها الوصول غليه ، والاستثمار الأمثل لها . ومعالجة مواطن الضعف والقصور لدية . كما تساعدنا على توجيهه تربوياً ودراسياً وتخطيط أفضل البرامج التعليمية والتدريبية له ، وكذلك توجيهه مهنياً بما يتناسب وأستعداداتة الشخصية ومهاراته .
3- الفروق بين الجماعات : ويقصد بها الفروق بين الجماعات ، سواء داخل الثقافة أو المجتمع الواحد ، أم فيما بين الثقافات والمجتمعات المختلفة ، ومن هذه الفروق ماهو موجود بين جماعات الذكور والإناث ، والأطفال والمراهقين ، والريفيين والحضريين .
ولدراسة الفروق الفردية في مجال التعبير الفني أهمية فائقة ، إذ يفترض – بشكل عام ومن منظور تربوي – أن لكل طفل حاجاته التربوية الخاصة التي يختلف فيها عن بقية أقرانه . وتزداد هذه الحاجات في مجال الفن خاصة لعدة اعتبارات ، لعل من أهمها أن التعبير الفني ذاته استجابة فردية تتسم بالطابع الشخصي للمتعلم ، وتعتمد على مايبيديه من أصالة وتفرد وتجديد وخروج على المألوف .
إن الفن من بين الميادين القليلة التي تعتمد على هذا النوع من التفكير الذي يطلق عليه التفكير التباعدي .. ووفقاً لهذا النمط من التفكير فإنه لاتوجد استجابة تعبيرية صحيحة واحدة محددة سلفاً لأي موضوع يقدمه المعلم لتلاميذه ، وإنما تتعدد الاستجابات للموضوع الواحد بتعدد تلاميذ الفصل الدراسي .
وهذا هو مايجب على معلم الفن أن يتوقعه ويخطط له ويشجع عليه . مما يعنى أن كل تلميذ في حجرة الدراسة يعوز معالجة خاصة ، وتوجيهاً فردياً ، وفقاً لطرازه التعبيري ، ومعدل نموه الجسمي والإدراكي البصري والعقلي ، ورصيده من الخبرات والمعارف والمهارات
، ومقدرته على معالجة المواد والوسائط والخامات واستخدامه الأدوات ، وتبعاً لاستعداداته واحتياجاته الشخصية ، واستجاباته الفريدة.
ولعلة مما يزيد من احتياجنا إلى ضرورة تفريد التعليم ، والتوجيه في مجال الفن ، اختلاف البيئات والخلفيات الثقافية والاجتماعية للأطفال ، وما يصاحب ذلك من تفاوت في فرص التدريب ، ومدى التشجيع الذي تلقوه ن واختلافات في عاداتهم الشخصية وأساليب تعاملهم مع البيئة المرئية ، كالتزامن ، أو المرونة في الاستجابة للأشياء غير المألوفة ، والتروي أو الاندفاعية في استخدامهم المعلومات البصرية ، بل وفي اتجاهاتهم نحو الفن ذاته . إضافة إلى التنوع الهائل في المواد والوسائط والأدوات ، وطرق الأداء الممكن استخدامها في الأعمال الفنية . واختلاف مهارات النشْ قي العمل بها وفي اكتشاف الاحتمالات الجديدة لتوصيفها في التعبير الفني .
وتمدنا دراسة الفروق الفردية في مجالات التعبير الفني بالأساس العلمي الذي يمكن أن يبنى عليه المعلم عمله وتوجيهاته لتلاميذه ، أفراداً ، وجماعات داخل الفصول الدراسية ن وقاعات النشاط المدرسي والفني .
Bookmarks